مع بدء العصور التاريخية، في حدود منتصف الألف الرابع قبل الميلاد، كان الدينان السوري والمصري يشكلان أعظم جذرين راسخين في الحياة الروحية لإنسان العالم القديم. وكان الدين المصري يتشكل بخصوصية نادرة ويشحذ معه كل خصوصية مصر وشعبها العريق الذي ظهرت حضارته العظيمة مبكرة، وكان هيكله المثولوجي واللاهوتي والطقوسي يعكس نمطاً جديداً من التصور الروحي الذي كان له أعمق الأثر في أديان تلك العصور. وإذ كان قد اختار الدين المصري محطة ثالثة في سلسلة التراث الروحي للإنسان فذلك لاعتقاده أن هذا الدين يشكل الجذر الأعرق في الحياة الروحية للإنسان، بل ويمتاز على جميع الأديان القديمة.فقد امتد لأكثر من ثلاثة آلاف عام وهو يهضم في جهازه المركب أخصب وأعقد التحولات الروحية التي كانت تطرأ على العالم القديم حين كانت الأديان الأخرى تستبدل بغيرها، أو تزول، أما لأسباب حضارية أو لأسباب داخلية تمنعها من الاستمرار. وتأتي محاولة المؤلف هذه في سياق عرضه لأديان العالم القديم والتعريف بالتطور الروحي للإنسان. وهو في محاولته هذه يعرض ويحلل مكونات الدين المصري القديم والتي تشمل الأساطير واللاهوت والطقوس، والمكونات الثانوية التي تشمل الأخلاق والشرائع، بعد المقدمة في التاريخ السياسي والديني لمصر القديمة، قام المؤلف بتحليل وعرض الأساطير المصرية، ورسم شجرة أنساب لإلهتها الكبرى سعياً. لتنظيم دقيق لانحدارات ومآل تلك الآلهة، ثم عرض أساطير تلك الآلهة على أساس أنها تنتمي لثلاثة محاور كبرى هي أساطير الخليقة وأساطير الإله رع وأساطير الإله أوزيس وفي الفصل الثالث تناول خمسة جوانب أساسية من المعتقدات والأفكار الدينية التي ضمها اللاهوت المصري عبر تطوره الطويل، فبحث في المؤسسة الدينية ومكوناتها، وفي عقائد الربوبية وطبيعة الآلهة والفرعون والإنسان، وفي التشريح اللاهوتي للإنسان، وفي مدارس اللاهوت المصري الرسمية والشعبية ثم في عقائد ما بعد الموت التي تشكل العمود الفقري للدين المصري بأكمله فهو دين آخروي بالدرجة الأولى. وفي الفصل الرابع بحث في الطقوس والشعائر المصرية القديمة أما في الفصل الأخير فقد تناول الأخلاق والشرائع التي رأى في جوهرها الديني يكمن في مفهوم الـ (ماكت) الذي حلله تفصيلياً ثم بحث في حقول الحكمة ولتشريع والفقه في مصر القديمة.