مملكة الغرباء
In stock
"قلت لها أنني أشم رائحة الذكريات. ابتسمت. كانت مريم تبتسم حين لا تعرف الأجوبة، ثم تتلعثم وتتردد قبل أن تقول أنها لا تعرف أن تعبّر عن فكرتها. هكذا كانت. امرأة قصيرة الشعر، واسعة العينين، ظهرها ينحني قليلاً إلى الأمام، تدندن كناً غريباً لم تقل لي مرّة من أين جاءت به، وتمشي إلى جانبي صامتة على ضفة البحر الميّت. كان الأفق رصاصياً. رصاصاً يلوّن ضفة البحر الميّت، وأنا أقف نحو الأردن ينخفض بي إلى قاع لزج. رطوبة ورصاص ورائحة ذكريات. الفرق هو القصة قالت. الحب هو قصة الحب. لم تكن معي في رحلتي إلى الفور. بلي كانت رائحتها كانت، وأنا أشم رائحة الذكريات، وهي لا تعرف الفرق بين الحب وقصة الحب. قالت أنها تحبني. يوم التقيت بها في تلك الليلة، لم تتلعثم أو تتردّد... لم تسأل عن الفرق بين الحب وقصة الحب. هكذا بداية الأشياء، تبدو كأنها معلّقة في الفراغ. التقيت بها، كان ليلٌ وكانت بيروت، التقينا على شرفة معلقة فوق البحر. كنت عائداً من غور الأردن، رائحتي مبللة بالتعب، وعلى رأسي غبارٌ من أرض فلسطين. وكانت هناك. جاء أصدقاء لا أعرفهم وسهرنا حتى الثالثة صباحاً. كانوا يرقصون وكنت أشعر أنني وحيد وسوف أموت. كنت قادماً من الموت هكذا قلت لها...".أنا الذي رأيت، أشهد وأقول وأصرخ، أنا الواقف على شاطئ البحر الميت، حيث المرايا والجوه النحاسية والأرض التي تنفصل عن الأرض.قلت لمريم إنني أريد أن أخبرها. أخبرتها عن سامية التي رحلت، وعن هذا العمر الذي نلبسه ككفن. هل هي مريم، الجالسة على أطراف غور الأردن، تنتظر الغريب الذي يقتله الغريب؟ أم هي الحكاية؟ هل هذه الأرض التي اسمها فلسطين هي مجرد حكاية تسحرنا بأسرارها وطلاسمها؟ ولماذا حين نستمع إلى هذه الحكاية لا ننام... بل نموت؟