المعتقدات الارامية
In stock
يشوب تأريخ وتراث الآراميين ضباب كثير ، ولا يجد الباحث إلا النذر اليسير من الآثار واللقى التي تتحدث عن هذا التراث ، قياساً إلى الأقوام المجاورة التي سبقتهم أو زامنت وجودهم ، ولعل ذلك يرجع إلى سببين متداخلين : أولهما عدم ظهور ممالك آرامية واسعة وقوية ومستقرة لفترة طويلة من الزمن ، وثانيهما : الضغط الآشوري المتكرر على مدنهم وممالكهم وتدميرها بشكل مستمر . فقد كان ظهور الآشوريين وبزوغ قوتهم متزامناً مع بزوغ المدن والممالك الأرامية التي كانت أغلبها متاخمة للآشوريين ، أو على مرمى اندفاع وهيجان الجيوش الآشورية الكاسحة ، مما تسبب في ضياع واندثار أغلب آثارهم ومدوناتهم . غيّر ظهور الآراميين تاريخ الشرق الأدنى القديم ، بل وتاريخ العالم القديم بأكمله . وإذا كانت البحوث والدراسات الخاصة بالآراميين وتاريخهم وعقائدهم ما زالت قليلة ولا تتناسب مع حضورهم في التأريخ ؛ فإن المستقبل سيكشف عن الحجم الحقيقي لحضارتهم وعقيدتهم ولغتهم وتأريخهم بشكل عام . وإلى هذا ، فقد غيّر ظهور الآراميين الحضاري ما يقر بأن ثلاثة آلاف سنة ، كان الألف الأول منذ حوالي ( 2500 - 1500 ) ق.م ، وهو عصر تشكل القبائل والبيوت الآرامية الأولى وظهور عناصر الحضارة الآرامية في وادي الرافدين بشكل خاص ، والذي يرجح أنه كان مهد حضارتهم الأولى . أما الألف الثاني منذ حوالي ( 1500 - 500 ) ق.م. فقد كان عصر انتشارهم نحو بلاد الشام وجنوب العراق وشمال الجزيرة العربية ، وعصر كفاحهم السياسي المتواصل مع الأشوريين بشكل خاص والحيثيين والعبريين لاحقاً ، وهو عصر بطولي ظهرت فيه ممالك ومدن وإمارات الحضارة الآرامية على امتداد قوس يمتد من عيلام شرقاً حتى شمال آشور ثم باتجاه بلاد الشام نزولاً إلى جنوبها ، وتشغل وسط هذا القوس قوى وممالك الآراميين على امتداد نهر الفرات بشكل خاص . وكان الألف الثالث من حوالي ( 500 ق.م. / 500 م ) عصراً حضارياً لا سياسياً ، فقد بدأت مظاهر الحياة الآرامية ( اللغة ، الدين ، الكتابة ، الفنون ... الخ ) تظهر وتختلط مع غيرها من مظاهر الحضارات المحلية أو الوافدة ، ولا عجب أن تكون اللغة الآرامية طيلة هذا الألف الأخير هي لغة الكتابة والتفاهم على امتداد الجهات الأربع للشرق الأدنى ، من فارس إلى مصر ومن آسيا الصغرى إلى اليمن . في هذا السياق تأتي هذه الدراسة التي تتمحور حول المعتقدات الآرامية ، وذلك ضمن أربعة فصول عالجت المواضيع التالية على التوالي : تضمن الفصل الأول ، وبشيء من الإيجاز ما تيسر من تأريخ الآراميين في وادي الرافدين وسوريا ، وتمّ تتبع انتشار مدنهم وممالكهم التي بدت واسعة رغم قلّة المعلومات الآثارية عنها . وتمّ في الفصل الثاني البحث في الميثولوجيا الآرامية ، حيث عمد الباحث إلى دراسة الآلهة والرموز والأساطير الآرامية ، متوقفاً طويلاً عند الآلهة الآرامية ، واضعاً شجرة أنساب محتملة لهذه الآلهة ، طارحاً فرضية جديدة حول أصل الآلهة الآرامية الأولى واحتمال وجود أسطورة خليقة خاصة بهم . وليتتبع من ثمّ تطور ظهور إلههم القومي ( حدد ) ، وميزاته وعلاقته بآلهة الطقس المجاورة له ، مبيّناً أثر الآلهة البابلية والكنعانية على هذه الشجرة ودخولها تحت مسميات عديدة ، مواصلاً ذلك في البحث عن اختلاط الآلهة اليونانية والرومانية بها في العصر الهيلنسيتي وما بعده ، مركزاً باهتمام خاص على الكائنات الخرافية الآرامية ، كالعفاريت والجن والملائكة والشياطين التي كانت شائعة في عقيدتهم ، وليتحدث من ثم عن الموز العقائدية الآرامية . ولينتقل من ثمّ وفي الفصل الثالث إلى الحديث عن اللاهوت الآرامي ، وتطور العقائد الدينية الآرامية ومراحلها ، وعلاقتها بالغنوصية والزرادشتية ، وكذلك تحت دراسة بعض عقائد الاسكاتولوجية الآرامية ( عقائد ما بعد الموت ) . وأخيراً عمد الباحث ، وفي الفصل الرابع إلى دراسة بعض مظاهر الطقوس والشعائر الآرامية الخاصة بالصلاة والقرابين والدعوات والتراتيل وتقديم التماثيل وطقوس الموت